نبذة تاريخية عن مدينة كاشان
تحتفظ مدينة كاشان في ذاكرتها أنّها من أقدم الحضارات الإنسانية التي شهدتها الكرة الأرضية.. حيث إن الأعمال التنقيبة التي قام بها علماء الآثار التاريخية في تلال (سيلك) التي تبعد ثلاث كيلومترات عن المدينة الحالية، أشارت إلى وجود حضارة قديمة في هذه المنطقة، تعود إلى الألف السابع وحتى الرابع قبل الميلاد، وقد شهدت بروز فنون مختلفة منها المعمارية. وتحتفظ منطقة كاشان بمبانٍ تاريخية تعود إلى العهد الساساني.. حيث إن وجود أطلال معبدَيْ (نياسرو وخرم دشت) تؤكد على أن هذه المنطقة كانت لها مكانة كبيرة في العهد الساساني. فضلاً عن ذلك، فإن المصادر التاريخية الإسلامية ذكرت أن كاشان في أواخر العهد الساساني (قبل الإسلام) كانت مدينة كبيرة وعامرة وذات مكانة اقتصادية مهمة وخاصة. ودخل الإسلام إلى كاشان كغيرها من المناطق الإيرانية في الصدر الإسلامي الأول. ضَربت كاشان هزتان أرضيتان شديدتان في عامي 346 و 347 للهجرة، مما أدّى إلى تدميرها بالكامل، إلا أن عدة مبانٍ ظلت من تلك الحقبة مثل (بقعة قاضي أسد) ومحلّة (الساحة القديمة) والمسجد الجامع. واستعادت كاشان مكانتها السابقة في العصر السلجوقي؛ حيث انتشرت فيها مختلف الفنون، مثل صناعة الوسائل الخزفية والبلاطات المزخرفة، كما شُيّدت قلعة في جنوب المدينة في عهد جلال الدين مَلِكْشاه (465 ـ 485 للهجرة)، تُعرف اليوم بقلعة جلالي. بعد فترة من الزمن أُحيطت المدينة بسور حصين بفضل جهود مجد الدين عبيدالله، حيث يمكن اليوم مشاهدة بقايا هذا الأثر التاريخي في الأجزاء الجنوبية من المدينة. وأُصيبت كاشان خلال حملات المغول بأضرار كبيرة، إلاّ أن المدينة أصبحت في عهد الإيلخانيّين من أهم المراكز الصناعية في إيران، حيث شُيّدت مبانٍ جديدة ورُمِّمت الخرائب، بحيث كتب (فريرا ودوريك) حول رحلة قاما بها إلى المدينة في عام 721 للهجرة ما يلي: « بالرغم من أن جزءاً كبيراً من مدينة كاشان دُمّر إثر غزو المغول للمدينة، إلاّ أنها رُمِّمت ثانية والمدينة تبدو عامرة، وفيها الكثير من الخيرات ». يمكن اعتبار العصر الصفوي أوج ما وصلت إليه مدينة كاشان من فن وإعمار ووسعة.. وبالرغم من أنّ أصفهان كانت عاصمة الصفويين، إلاّ أن السلاطين الصفويين كانوا يقضون الكثير من وقتهم في مدينة كاشان. ومع توسع السوق في المدينة ازداد تردّد التجّار الإيرانيين والأجانب عليها. كذلك فإن صناعة الغزل والنسيج تقدمت كثيراً في هذه المرحلة، حيث أنتجت المصانع والورش والبيوت الكاشانية أجمل وأروع الأقمشة الحريرية والكتانية وغيرها، فضلاً عن إنتاج أنفس أنواع السجّاد الصوفي والحريري. كما أن صناعة الأواني الحزفية والمعدنية والبلاطات السيراميكية المزخرفة قد نمت وتطوّرت في هذا العهد، بعد سنوات من الركود والتوقف. وهكذا فإن كاشان تبدو اليوم مدينة زاهرة حاملة معها تراث الماضي وعراقة الحاضر وأمل المستقبل المشرق.
المخطط المعماري التاريخي لمدينة كاشان
من ينظر إلى الواقع المعاصر لمدينة كاشان يبدو أمامه المخطّط المعماري التاريخي القديم للمدينة، فضلاً عن وجود آثار كثيرة لنشاطات واسعة وعامة في الفنون المعمارية التي كانت منتشرة في هذه المدينة، وهي مختلطة مع الظروف الإقليمية التي كانت سائدة عبر التاريخ، والممزوجة مع الفنون التقليدية والمصالح الخاصة لهذه المنطقة. يمثّل السوق الرئيسي مركز المخطط المعماري التاريخي للمدينة، حيث تتوزع المحلات والمناطق السكنية على أطرافه، وهذه المحلات تتكون من مجموعة من الأزقّة الضيّقة المتشابكة المتعرّجة التي تنتهي بساحة واسعة بدورها تتفرع إلى أزقة وحارات وهكذا. وكل محلة يوجد فيها مسجد وحسينية ومخزن للماء وحمّام وسوق صغير، ويزداد عدد هذه المراكز مع زيادة مساحة المحلة. كذلك فإن المنازل السكنية متلاصقة مع بعضها، وتحيط بها جدران مرتفعة، وأغلبها ذات مساحة كبيرة تتكون من غرف مخصصة للشتاء وأُخرى للصيف. ولا تزال المدينة تحتفظ بهذا المخطط رغم قدمه، لا سيما في المناطق المركزية منها، بالطبع مع دخول التحديث والتجديد عليها، فضلاً عن المحلات والأحياء الحديثة التي شُيّدت طبقاً للمقاييس والمخططات المعمارية الحديثة.
ترجمة واعداد: سيد مرتضى محمدي
القسم العرب - تبيان