السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا لم ينـزل القرآن على حرف واحد فقط ؟
**********
لماذا لم ينـزل القرآن على حرف واحد فقط ؟
وما هي الحكمة وراء تعدد الأحرف القرآنية ؟
لقد ذكر علماء القراءات العديد من الوجوه التي تبين
الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف. ونحن - في مقامنا هذا - نقتطف من تلك
الوجوه أوضحها وأظهرها، فمن ذلك:
- الدلالة على حفظ كتاب الله سبحانه من التبديل والتحريف؛
ووجه ذلك أنه على الرغم من
نزول القرآن بأكثر من حرف، غير أنه بقي محفوظاً بحفظ الله له، فلم يتطرق
إليه تغيير ولا تبديل، لأنه محفوظ بحفظ الله .
**********
- ومن الحِكَم التخفيف عن الأمة والتيسير عليها؛
فقد كانت الأمة التي تشرَّفت
بنـزول القرآن عليها أمة ذات قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات
والأصوات وطرق الأداء...ولو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد لشقَّ
الأمر عليها...
والشريعة مبناها ومجراها على رفع الحرج والتخفيف عن العباد،
يقول المحقق ابن الجزري - وهو من أئمة علماء القراءات -: " أما سبب وروده على سبعة أحرف فالتخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها والتهوين عليها وتوسعة ورحمة..."
وقد جاء في صحيح مسلم " أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار . قال فأتاه جبريل عليه
السلام . فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف . فقال " أسأل
الله معافاته ومغفرته . وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم أتاه الثانية . فقال :
إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين . فقال " أسأل الله معافاته
ومغفرته . وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله يأمرك
أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف . فقال " أسأل الله معافاته ومغفرته .
وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ
أمتك القرآن على سبعة أحرف . فأيما حرف قرءوا عليه ، فقد أصابوا .
الراوي: أبي بن كعب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 821
خلاصة حكم المحدث: صحيح
"
*******
- ومنها إظهار فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم؛
إذ لم ينـزل كتاب سماوي على أمة إلا على وجه واحد، ونزل القرآن على سبعة أوجه، وفي هذه ما يدل على فضل هذه الأمة وخيريتها .
*************
- ومن الحكم أيضًا، بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب،
فعلى الرغم من نزول القرآن على لغات متعددة من لغات العرب، غير أن أرباب
تلك اللغات وفرسانها لم يستطيعوا مقارعة القرآن ومعارضته، فدلَّ ذلك على
عجز الفِطَر اللغوية العربية بمجموعها على الإتيان ولو بآية من مثل آيات
القرآن الكريم .
***********
- إن من حِكَم نزول القرآن على تلك الشاكلة تعدد استنباط الأحكام الشرعية، ومسايرتها لظروف الزمان والمكان
ولهذا وجدنا الفقهاء يعتمدون في الاستنباط والاجتهاد على علم القراءات -
والقراءات جزء من الأحرف السبع التي نزل القرآن عليها - الذي يمدهم بالأحكام الشرعية،
ويفتح لهم من الآفاق ما لم يكن كذلك لو نزل القرآن على حرف واحد.
*************
إن تعدد تلك الحروف القرآنية وتنوعها يحمل دلالة قاطعة
على أن القرآن الكريم ليس من قول البشر، بل هو كلام رب العالمين؛ فعلى
الرغم من نزوله على سبعة أحرف، إلا أن الأمر لم يؤدِ إلى تناقض أو تضاد في
القرآن، بل بقي القرآن الكريم يصدق بعضه بعضًا، ويُبيِّن بعضه بعضًا، ويشهد
بعضه بعضا
فهو يسير على نسق واحد في علو الأسلوب والتعبير، ويسعى لهدف واحد يتمثل في هداية الناس أجمعين .
وصدق الله القائل في محكم كتابه: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا } (النساء:82) فلو كان القرآن مفتعلاً مختلقًا، كما يقوله من
يقول من الجهلة والمضللين لوجدوا فيه اختلافًا، أي: اضطرابًا وتضاداً
كثيراً، أما وإنه ليس كذلك، تعين بالضرورة أن يكون سالمًا من الاختلاف
والتضاد. وهذا مقتضى أن يكون من عند الله سبحانه وتعالى .